عام 2008 كان عام "Slumdog Millionaire".
لاحظ معي أن أفلام الأوسكار قد اختفت رويدًا رويدًا من الساحة الآن بعد
مرور ما يقارب الشهر على احتفالات الأوسكار، إلا أن فيلم "Slumdog
Millionaire" لايزال فيما بيننا، يظهر في مراكز متقدّمة في شباك التذاكر
الأمريكي، ويتم افتتاحه في الصالات المصرية بعد تجاهل تام، قبل الجنون
العام الذي حصده الفيلم.
ورغم أن أفلام الأوسكار تعاني عادة من قلة المبيعات، لتأتي بمصاريفها
بالكاد مع هامش ربح قليل، إلا أن هذا الفيلم قد استطاع أن يصل إلى المركز
الخامس في قائمة أعلى الأفلام المحققة للإيرادات والتي فازت بالأوسكار.
لاحظ أن فيلمًا دراميًا رائعًا مثل "Shawshank Redemption" لم يستطع
الوصول حتى إلى صالات السينما بالأساس قبل ترشيحه للأوسكار وفوزه به عام
1994.
يحكي فيلم "Slumdog Millionaire" قصة حياة "صبي قهوة" في واحد من مراكز
الاتصالات المنتشرة في الهند، لقد استطاع الفتى أن يصل إلى كرسي برنامج
"من سيربح المليون"، ولكنه -رغم إجابته على كل الأسئلة دون مشاكل- لم يكن
يحلم بالنقود، كان يحلم بشيء آخر تمامًا.
وعبر إجاباته المختلفة، وعبر محاوراته مع ضابط شرطة يعتقد أنه يغش في
أسئلة البرنامج، تستطلع حياة الفتى رويدًا رويدًا منذ أيام طفولته
المشردة، حياته كطفل متسول في أنحاء الهند، إلى أن تعرف معه لماذا لا يريد
الفتى كل هذه الملايين؟!!
عن عوامل نجاح فيلم "Slumdog Millionaire"
1. قصة حب تبدأ منذ الطفولة بين فتى مستضعف وفتاة
رائعة الجمال، هذا سيدفع أغلب المشاهدين للتعاطف مع تلك الفكرة البراقة،
والتي توحي ببراءة وصفاء زائد عن الحد.
2. جو هندي أقرب إلى الأحلام مع أغاني كتبها أهم
مغني هندي (أيه. آر. رحمان)، عالَم من الكوابيس الملونة يخلقها المخرج في
محاولة لدفع المتفرج لمتابعة الفيلم بشغف، متأملاً فكرة تعذيب نفسه بروائح
العرق والدماء والإفرازات البشرية، قبل أن يهز رأسه بشفقة ويعود إلى منزله.
3. عملية جلد ذاتي ذكية بحق، تقوم بها هوليود في
الفيلم، الشخصيتان الأمريكتان الوحيدتان في الفيلم هما عن رجل وزوجته
يزوران الهند، ويقع بطل الأحداث في مشاكل مع الشرطة بسببهما، فيقرران أن
يردا له حقه بالطريقة الوحيدة التي يفهمانها، النقود، صحيح أن هذا النقد
جاء -بشكل ذكي- من شخصية أمريكية أيضًا؛ كي يخفف حدته على المشاهدين
الأمريكيين اللذين لن يقبلوا النقد من أي جنسية بشرية أخرى، إلا أنه نقد
على أي حال.
4. ألوان زاهية لافتة وتماثيل للآلهة الهندية
وإبهار بصري بشكل عام يسمح للمُشاهد بالضياع لساعتين في الجمال الهندي،
لعب واضح بالكاميرا لدفع المُشاهد إلى الإعجاب بكل هذا الجمال، جمال لم
يره من قبل في أي صالة سينمائية.
الفيلم من الناحية السينمائية كان ممتعًا بصريًا، مدير التصوير أجاد
عمله في التقاط الزوايا المختلفة للعالم الهندي، مع نجاح واضح في اختيار
ألوان الكادر بمجملها وتفصيلها، كان هناك نقاء عام في الصورة يسمح لك
بالتعاطف مع الأبطال.
الإخراج بشكل عام كان جيدًا، كعادة Danny Boyle والذي ينجح دائمًا في
اختطاف الأبصار بكوادره الجيدة ونجاحه في تقديم أفكاره عبر الفيلم، ساعده
على ذلك الجمال الطبيعي لعالم الهند، وقدرته هو شخصيًا على تجميل الواقع
بشكل يستحق الإعجاب، فحتى تلك الكوادر التي تتحدث عن فتى صغير قام أحد
الرجال بفقء عينيه؛ كي يُجبره على التسول لصالحه، تجد أن الكادر نفسه جميل
المنظر إلى أقصى الدرجات، مع درجة لون وجه الفتى، درجة لون الحائط من
خلفه، نظرته الهادئة وابتسامته الجذابة، وحركة يده التي لا تتوقف، وصوته
الجميل في الغناء.
في النهاية، فيلم "Slumdog Millionaire" يستحق المُشاهدة بالفعل، ولكنه
برأيي الشخصي لا يستحق كل هذا الجنون الإعلامي وتحوّله إلى واحد من أهم
الأفلام التي صدرت في التاريخ، واقتباس حواراته لتصبح مقاطع يضعها
الأصدقاء في الـ Facebook Status بأي حال من الأحوال.
دعني أسألك مجموعة من الأسئلة التي ستوضح لك وجهة نظري تمامًا:
السؤال الأول:
لو أن فيلم Slumdog Millionaire لم يحظَ بمخرج بريطاني مثل الأخ Danny
Boyle، بل اكتفى بمخرجه الهنديLoveleen Tandan (وهو المخرج الذي نسيه أو
تناساه الجميع في حفل الأوسكار الماضي رغم مشاركته في إخراج الفيلم)، هل
كان الفيلم سيحظى بكل هذا الاهتمام الإعلامي والنجاح الجماهيري؟!!
السؤال الثاني:
لو أن فيلم Slumdog Millionaire لم يلعب على عواطف المجتمع الأمريكي،
وصراحة قلة معرفته بالعالم من حوله، وقدَّم عالَمًا هنديًا جذابًا رغم
قبحه، وقدَّم قصة (حالبة للدموع) كما يقولون، هل كان سيصل إلى ما وصل إليه
من نجاح في قلوب المجتمع الأمريكي؟!!
والأن أترك الإجابة لك عزيزي القارئ..!