خلال العامين 1986 و1987، تم نشر 12 جزءًا من سلسلة كوميكس متميزة تحمل اسم "Watchmen".
الكاتب كان "آلان موور"، وهو من تعرفه أنت عن أفلام شاهدتها بالتأكيد،
لابد أنك تذكر جمال فيلم "V For Vendetta" أو أنك كنت من المعدودين الذين
أعجبوا بفيلم "The League of Extraordinary Gentlemen".
عرض على "آلان موور" أن يكتب سيناريو فيلم في الثمانينيات يقتبس منه
لنسخة "Watchmen" السينمائية، ولكنه -كعادته- رفض تمامًا، وقال وقتها
جملته الشهيرة: "ما دمت أبعد نفسي عن هذه الأفلام السخيفة بعدم مشاهدتها،
يمكنكم أن تفعلوا ما تريدون فعله"، طبعًا كانت تلك الجملة غير مهذبة على
الإطلاق، لكن كاتب هذا المقال -والحمد لله- مهذب ولن يكتب الجملة بنصها
الأصلي.
واستمرت المحاولات لتقديم سيناريو مناسب للفيلم، وانضمت مجموعة من
الأسماء المختلفة -منها "جود لو" و"توم كروز"- إلى فريق عمل الفيلم قبل أن
تغادره، وهكذا ظل الفيلم في مرحلة الإعداد طوال السنين العشرين الماضية،
قبل أن يأتي المخرج زاك سنايدر، بعد أن نفض غبار فيلمه "300" عن كتفيه،
وقرر أنه سيقوم بإخراج الفيلم.
وبالفعل بدأ العمل على الفيلم في العام الماضي، وصدر الفيلم في
السينمات الأمريكية يوم 6 مارس الحالي، وصدر في السينمات المصرية في
الأسبوع الذي يليه.
عن نظرية "ماذا لو.."
ماذا لو أن الأبطال الخارقين كانوا موجودين بالفعل في عالمنا الحالي؟!
ماذا لو أنهم ساعدوا الحكومة الأمريكية على الفوز بحرب "فيتنام" ثم
استمروا معها وأصبحوا أصدقاءًا لها، حكومة أمريكية تسمح لـ"ريتشارد
نيكسون" بولاية خامسة (!!) يستمر بها في حكم الولايات المتحدة دون أي
فضائح (واترلو) من أي نوع، ودون أي مقابلات تلفزيونية تتحول إلى فيلم
سينمائي باسم "Frost/Nixon" بعد عشرين عامًا.
كل هؤلاء الأبطال الخارقين هم نسخ مختلفة الشخصيات من "باتمان"، كلهم
لا يمتلك أي قوة خارقة، لا يوجد طيران عبر الفضاء أو قوة عضلية خارقة أو
سرعة رهيبة في الجري، كلهم يمتلكون أسلحة رهيبة وذكاء مريعا وبعض الخدع
المناسبة، إلا بطل واحد فحسب..
الدكتور "مانهاتن"، البطل الذي لم يكن يريد أن يكون بطلاً، الطاقة
البشرية والنووية في آن واحد، عملاق أزرق من الطاقة يستطيع أن يفعل أي شيء
ويقدر على تحويل أي مادة إلى أي مادة أخرى دون مشاكل، وهو أقوى الأبطال
على الإطلاق، وأقوى سلاح أمريكي في التاريخ.
الآن، عندما يكبر الأبطال في السن عليهم أن يجدوا من يحمل بدلاً منهم
أسماءهم، ليستمر البطل في الوجود إلى الأبد، فها هي "سيلك سبكتر" تترك
البطولة لابنتها "سيلك سبكتر 2" والتي لم توافق على القيام بهذا الدور إلا
أرضاء لوالدتها، هاهو "نايت أول" يترك البطولة لصديقه "نايت أول 2" تاركًا
معه مجموعة من أهم أدواته ونجاحاته.
وكما لك أن تتوقع هناك أبطال جدد يظهرون، مثل "رورشاك" النحيل الهزيل
الذي لا يمتلك إلا ذكاءه ونظراته الحادة، تلك النظرات التي لا تستطيع أن
تراها لأنه ببساطة يرتدي قناعًا يغطي وجهه كله، قناعًا يحمل بقعة حبر
يتغير شكلها لتعطي مختلف الأشكال العشرة لاختبار "هنري رورشاك" المعروف
إياه، بقعة الحبر التي تشكل لبعض الناس فراشة، أما للبعض الآخر فهي جرذ
قتيل، وتدل على الحالة النفسية للشخص بشكل عام.
"رورشاك" يعتقد أن هناك من قتل "ذا كوميديان"، وهو بطل من الأبطال
الخارقين في الجيل السابق، وأن هذا القتل لم يكن على سبيل السعادة الشخصية
أو المتعة العابرة بل هو أقرب إلى عملية سرية كاملة للقضاء على الأبطال
الخارقين، وهاهو يبدأ بتحذير أصدقائه، هاهو يبدأ مغامرته للبحث عن
الحقيقة، ولكن أكثر ما يثير الخوف في الواقع هو أن يجدها.
عن فيلم احتاج إلى عشرين عامًا لصنعه:
لربما لن يقوم "آلان مور" بمشاهدة فيلم "Watchmen"، لكن في الحقيقة في
هذا القرار تحامل غير مسبوق على مخرج الفيلم "زاك سنايدر"، والذي استطاع
أن ينقل روح سلسلة الكوميكس الشهيرة تلك، الروح التي أتكلم عنها هي مدى
عبقرية ذلك الكاتب في اختيار مثل هذا الموضوع، فكرة: عدم الكمال لأولئك
الأبطال الخارقين، وحقيقة كونهم بشرا طبيعيين تحت تلك الأقنعة، يتصرفون
مثل البشر ولا يقومون دائمًا بالأعمال الصحيحة بل في الواقع في كثير من
الأحيان يخطئون، ويتعلمون من أخطائهم.
في الواقع، يعتبر فيلم "Watchmen" نظرة أكثر واقعية بكثير من كل
الأفلام التي تتحدث عن أبطال الكوميكس، رغم عدم واقعيته بالمرة، أعرف أن
الجملة السابقة مثيرة للتعجب، ولكن الفيلم (رغم كونه يدور في عالم غير
واقعي وفي زمن غير موجود بالأساس وعن مجموعة من الأشخاص التي لا يمكن أن
تكون حقيقية) إلا أنه تعامل مع تلك الشخصيات كلها بشكل واقعي، ورسم لتلك
الشخصيات ملفًّا نفسيًّا واضحًا وصريحًا إلى أقصى الدرجات، لم يكن الأبطال
مترفعين عن القيم البشرية أو الأمور المادية، لم يكونوا أصحاب ابتسامات
جبارة مع أسنان بيضاء، لم يكونوا إلا بشرًا عاديين قد يقعون تحت الإغواء،
قد يكونون أكثر ذكاءً من الآخرين ولكن ذلك لا يعني أنهم سيعرفون ببساطة
الصحيح من الخطأ، بل هم لن يعرفوا في الواقع إلا ما يرونه أمامهم،
وسيقومون باختيار تصرفاتهم على أساسه.
وعلى الرغم من أن "سنايدر" اضطر لحذف مجموعة كبيرة من القصص الجانبية
التي ظهرت في سلسلة "Watchmen" وذلك كي لا يصدر الفيلم على ثلاثة أفلام،
بل يكتفي بفيلم واحد شديد الطول، إلا أنه استطاع أن يحافظ على روح الكاتب
كما كانت في الكتاب، وذلك عبر كتابة السيناريو محتفظًا بأكبر قدر ممكن من
الكتاب، لدرجة أنه في مرحلة التصوير كان يستخدم كادرات حقيقية من الكتاب
في مرحلة الـ"Storyboarding" وهي تلك المرحلة التي يتم رسم الفيلم بأكمله
على حائط كبير أمام عيون المخرج كي يستطيع ربط الممثلين بالمؤثرات البصرية
بالأحداث.
وبهذا يكون "سنايدر" قد أثبت من جديد مدى عبقريته كمخرج، وأنه يستحق
بالفعل جوائز لا بأس بها حقًا في عالم السينما على روائعه المختلفة، لاحظ
معي أن كل أفلام الكوميكس لا يتم ملاحظتها على الإطلاق في الأوسكار إلا في
جائزة أفضل مؤثرات بصرية أو صوتية، في حين أن بعضها قد يكون في غاية
الجودة بالفعل.
تمثيل الممثلين لم يكن الأروع على الإطلاق، لاحظ أن أغلبهم كانوا
ممثلين درجة ثانية لا تلاحظهم إلا في أدوار ثانوية في الأفلام الأخرى، إلا
أنها حركة شديدة الجرأة من المخرج المتميز، والذي اختارهم بناءً على حاجته
لممثلين يستطيعون أن يحملوا روح عدم الكمال التي يريدها للفيلم بأكمله،
مجموعة من الممثلين الذين لن تتعاطف معهم لمجرد أنهم "أنجلينا جولي" أو
"براد بيت"، بل ستتعامل معهم كأنهم أبطال بدورهم.
المؤثرات البصرية كانت شديدة الروعة بشكل غير مسبوق، مع الكثير من
الحركات الإخراجية الممتعة، ستتذكر معي عندما تخرج من الفيلم ذاك المقطع
الذي يدخل فيه "رورشاك" إلى غرفة ما ليقتل شخصًا ما، ستلاحظ كيف يُفتح
الباب ويُغلق ثلاث مرات محولاً المشهد بأكمله إلى مشهد كوميكسي تمامًا؛ إذ
ترى الأشخاص لثانية واحدة كلما فتح الباب في حركة جديدة، كأنما تشاهد صفحة
كوميكس بالضبط.
فيلم "Watchmen" هو فيلم أكشن مثير يبقيك على
حافة كرسيك لساعتين ونصف، هناك الكثير من الجمل التي ستعلق بذهنك، وربما
تستخدمها كـ Facebook Status لافتة لنظر أصدقائك، وسيشبع جوعك لمثل هذه
الأفلام قبل أن يأتي شهر مايو بأفلامه المنتظرة ومنها..
Terminator Salvation
The Transformers 2: Revenge of the Fallen
Angels and Demons