إذا كانت أولى شروط العمل الصحفي، والنقدي، هو
الموضوعية والحياد، فأولى قواعد الكلام عن فيلم "بدون رقابة" هو التحيّز
ضد كل ما يتاجر بالسلبيات والأوضاع الراهنة، ويجمعها كلها خصيصا في عمل
فني واحد للمتاجرة بأخطاء المجتمع وضمان جذب المراهقين لدور العرض، لتحقيق
الربح المجني من نزواتهم وحرمانهم، والحجة جاهزة، والمبرر معروف.."السينما
مرآة الواقع" وعجبي!
نعم هناك العديد من المجموعات الشبابية "الروشة" التي تعيش حياة الضياع
والغفلة بكل معانيها سواء في الجامعة، أو حتى بعد التخرج، لكن السؤال الذي
ينبغي طرحه حقاً:
ما هي نسبة هذه المجموعات و"الشلل" بالمقارنة بالشباب المجتهد أو حتى المُحبَط لكنه لا ينغمس في ملذاته ونزواته؟..
الإجابة أنني بحكم سنوات عمري التي تصنفني كشابٍ في مقتبل العمر، وبحكم
رؤيتي بحكم العمل الصحفي، أن شبابنا ما زال بخير -اتفقتم أم اختلفتم معي-
إذ يكفيني ما رأيته على سبيل المثال في دار الأوبرا المصرية منذ أيام
قليلة في حضرة العالم الكبير د."أحمد زويل"، وكيف اهتم آلاف الشباب
والفتيات -من مختلف محافظات مصر- بحضور صالونه الثقافي والاستماع إلى علمه
الغزير، ويكفيني ما شاهدت من ردود أفعال آلاف الشباب في أحداث غزة الأخيرة
ومدى الوعي السياسي والإقبال الجماهيري للتبرعات بالدم والأموال والغذاء
والدواء لنصرة المستضعفين، وغير ذلك من تفاصيل كثيرة تؤكد -رغم قتامة
الصورة- أن شبابنا ما زال بخير، إلا أن هذا لا ينكر أن هناك بالفعل من
ضلَّ الطريق وباع القضية، مما يطرح تساؤلا آخر هاما:
هل يعالج فيلم "بدون رقابة" هذه النوعية ويقدِّم لها الحل الأمثل أو حتى أي حل والسَّلام؟..
الإجابة أنني لم أرَ فيه سوى مشاهد مبتذلة لـ"إدوارد" وهو يمارس
العادة السرية، و"علا غانم" وهي تمارس السحاق مع فتيات، والزنى مع "نبيل
عيسى" في تحدٍ سافر وتنافس صريح مع "أحمد فهمي" و"دوللي شاهين" في الخطيئة
نفسها، وحتى "ماريا" التي ظهرت في شخصية الفتاة المحترمة المؤدبة تفننت في
ارتداء الملابس الخارجة القصيرة التي تكشف أكثر مما تستر، و(قصر القماش ما
قلَّ وضلَّ)!..
الفيلم إذن لا يعدو مجرد خلطة شبابية سافرة، تلعب على وتر الجنس
والخطيئة لضمان الإيرادات، أكثر من اهتمامها بعرض مشكلات الشباب الحقيقة،
وأتمنى أن يسألني أحدهم:
أليس هذا ما يحدث في الحقيقة؟..
حتى أجيبه بسؤال مماثل:
ألم تشاهد فيلم "سارق الفرح" وترى كيف أدت القديرة "عبلة كامل" دور فتاة الليل دون حتى أن تعري كتفها؟..
الفيلم بكل أسف نسخة مشوَّهة من فيلم "أوقات فراغ" لا في الفكرة، بل في
"التيمة" التي تهتم بمناقشة مأساة الشباب في الحياة المعاصرة، إلا أن
"أوقات فراغ" حقق نجاحاً كبيراً باعتماده على المدرسة الواقعية في
المعالجة غير الكلاسيكية، التي لا تعتمد شأن باقي الأفلام على مقدمة وعقدة
وحل، بقدر ما تتوغل في كل جوانب ونواحي المشكلة دون البَدأ من نقطة محددة
والانتهاء عند نقطة أخرى، حيث أظهر الواقع بشكل محترم وجاد فحسب دون تقديم
حل واضح وصريح وترك الحل لدى المُشاهِد، بينما قام "بدون رقابة" بتضخيم
سلبيات الواقع والتركيز على أكثر التفاصيل الصادمة دون أي توظيف في
التأثير على المُشاهد تأثيرا إيجابيا يدفعه للأمام، وكأن شعار الفيلم
"مناظر وليس قصة"!..
أداء معظم الفنانين جاء ضعيفاً ومهزوزاً خاصة "ماريا" التي اجتهدت
لتقديم أطرف ما لديها، فإذا بنا أمام وجه جديد لا يكتفي بالفشل في التمثيل
فحسب، بل يقدِّم إضافة جديدة وفريدة من نوعها بأنها لا تعرف حتى أن تتكلم
بالعربي، بالإضافة إلى "علا غانم" التي تتفنن بين الحين والآخر في إظهار
أسوأ ما لديها، وأكثر ما يمكنها أن تستفز به الجمهور وتعارض به عاداتنا
وتقاليدنا، بينما نجحت "راندا البحيري" في تكرار نفس دور الفتاة المحجبة
المغلوبة على أمرها، وهو الدور نفسه الذي قامت به في "قبلات مسروقة" كما
لم ينجح "أحمد فهمي" في تجسيد دوره إلا في أغنيته مع "ماريا" بشكل يجعلني
أتساءل إذا ما كان يعرف الفرق بين التمثيل في السينما والأداء في الكليب،
وحتى العملاق "حسن حسني" لم يظهر بالشكل اللائق والمتناسب مع قيمته
وتاريخه، ولم يؤدِّ دوره وشخصيته بنجاح وإتقان سوى "إدوارد" الذي كان
فاكهة الفيلم بإفيهاته وملامح وجهه باستثناء مشهده الصادم في الحمام،
و"نبيل عيسى" الذي ينبِّئ بكوميديان من نوع خاص، و"باسم سمرة" الذي يسير
بخطوات بطيئة لكنها للأمام، و"دوللي شاهين" التي جسدت دورها بشكل جيد لكن
ينقصه الملابس غير الخارجة!..
المنتج والمخرج والمؤلف "هاني جرجس فوزي" لا أملك سوى أن أسأله سؤالاً واحداً في أولى تجاربه الإخراجية:
هل هذا هو التميز الإخراجي والكتابي الذي أردت أن تميز به نفسك كمؤلف ومخرج يريد أن يُثبت ذاته في أولى تجاربه؟..
أم أن وضعك كمنتج للفيلم أجبرك على حشوه بكومة من
الرذائل الخارجة من أجل ضمان النجاح والإيرادات حتى وإن كان ذلك على حساب
قيمتك كمخرج يبدأ المشوار من بدايته؟..
بعيداً عن كل ما سبق ما زالت هناك بعض العناصر الجيدة بالفيلم سواء
الإضاءة، والديكور، والتصوير، بشكل يؤكد أن "بدون رقابة" مجرد كليب كبير
غير جدير بالعرض سوى في فضائيات (السيكو سيكو) المخصصة للكليبات إياها.