نحن المصريين فينا عادة يبدو أنها متأصلة منذ آلاف السنين.. أننا فريقان دائما.. لم نفلح في أن نكون فريقا واحدا أبدا... فكما هناك الأهلي هناك الزمالك.. وذلك في الكورة وفي كل شيء.. وعلى هذا إذا دخلت مؤسسة -أي مؤسسة- لابد أن تجد فريقا أحمر –الأحمر الذي أحيانا يكون لون الورد وأخرى لون الدم، وفريقا أبيض –الأبيض الذي أحيانا يكون لون السماء الصافية واللبن الحليب وأخرى لون الأكفان التي يجهزها الفريق لخصومه.. فإذا أحببنا بالغنا في الحب وهتف الجميع 'أرقص يا حضري'.. وإذا كرهنا بالغنا في الكراهية 'يا خاين يا حضري'.. وإذا بالذين كادوا أن يصنعوا له تمثالا على باب النادي الأهلي يطالبون بإعدامه شنقا على باب نادي سيون السويسري... أي أننا مبالغون ولا نعرف الوسطية أبدا..
أقول هذه المقدمة وأنا أتوقع أن من يقرأها سيقول عني زملكاويا اندس على موقع 'بص وطل' يحاول أن يشوه صورة الأهلي نادي القرن.. وصاحب الإنجازات الوحيدة في بلد لم يعد له أي إنجاز.. النادي صاحب البسمة الوحيدة على شفاه شعب يموت كمدا أو بضربة جنزير في طابور من طوابير العيش!!
وأنا أؤكد كل ما سبق للأهلي، ولكن ما اختلفت معه وزاد اختلافي بعد الأحداث الأخيرة هو العبارة القائلة 'الأهلي فوق الجميع'. وكأننا نرفعه بذلك عن البشر والشجر والحجر.. نرفع الأهلي فوق كل مؤسسات الإنتاج –عارف إننا ما بننتجش- وفوق المؤسسات المدنية والشعبية وربما الرسمية أيضا.. لأن كلمة الجميع لابد وأن يكون لها استحقاقها.. ولكن مع الإنجازات الكبيرة وفرحة الشعب المصري –وأنا واحد منهم بالمناسبة حتى لا يتهمني أحد بأنني عميل للنادي السويسري- كنت أنظر لها وأقول من حق الشعب -الذي أصبح على الأقل 70% منه منتسبا لنادي الفوز في زمن الهزائم- أن يرفع من يشاء فوق ما يشاء طالما ليس لدينا مؤسسة نفخر بها.. ولم نفلح في إيجاد فريق عمل واحد ينجح أو يحقق شيئا له معنى..
ولكن التصريح الأخير لـ'العامري فاروق' عضو مجلس إدارة الأهلي جاء ليهدم هذا المبرر الوحيد بالنسبة لي كمواطن يتمتع بحق المواطنة في بلد المواطنة!! إذ يقول بإن الأهلي -رغم قرار الفيفا- متمسك بعدم حل الموضوع وديا وأنه سيتخذ كافة الوسائل القانونية... لماذا؟ يقول العامري: 'لأن الأهلي بهذه الطريقة سيحبط مخطط الحارس الذي تردد أنه يخطط للانتقال إلى ناد أوربي كبير في الموسم المقبل وانتقاله لنادي سيون مجرد 'بوابة' للنادي الأوربي الكبير'..
اقرأوا معي التصريح جيدا.. ذلك التصريح الذي يحمل كل هذه العداوة والعنصرية والبغض للاعب كانوا يحملونه على الأعناق بالأمس.. الجندي المصري الأهلاوي المجهول صار جنديا إسرائيليا على الطرف الآخر من خط النار ومطلوب رجمه أو ردمه أو الإتيان به حيا خاضعا راكعا على أعتاب الضفة الغربية من النادي الأهلي!!
ما هذا العبث.. كيف بفريق في قامة وعراقة النادي الأهلي أن يتحرك وخلفه ملايين من المشجعين ليعلن عن رغبته في الانتقام من ابن من أبناء النادي أعطى له مثلما أخذ منه... كيف تشجع إدارة واعية كإدارة الأهلي جماهيرها على الرغبة في الانتقام.. في الوقت الذي تنادي به بأن الرياضة أخلاق قبل كل شيء.. ألم تعرف إدارة الأهلي أن فضيلة التسامح والاعتراف بالفضل حتى ولو للعدو أهم من الحصول على كأس أو بطولة زائفة..
إن انتصارات الأهلي أثرت فينا جميعا لأننا عشقنا روح الفريق التي رأيناها.. عشقنا كفاح اللاعبين بشرف في أرض الملعب.. أحببنا عناق اللاعبين بصدق حينما يحرز أحدهم هدفا وكأنهم هم جميعا من أحرزوه.. لحظتها كنا جميعا نحس كجمهور بروح الفريق وأننا جميعا أحرزنا هدفا واحدا.. الحب والإخلاص والأخلاق العالية وجمال الروح الجماعية هي ما جعلت الناس يرفعون الأهلي كفريق وكمؤسسة فوق الجميع..
إنني لا أنكر أن 'الحضري' لم يتحذ الوسيلة المناسبة لتحقيق ما يطمح له.. أخطأ.. نعم أخطأ وكلنا مخطئون.. تسرع ونحن أكثر الشعوب تسرعا في اتخاذ القرارات.. أراد حلما فتحول إلى كابوس مزعج.. لا أنكر هذا ولكنني لا أملك إلا أن أقول كان يجب على الكبير أن يكون كبيرا بحق.. وكان على الأهلي أن يكون مثالا للأب الحكيم الواعي المتسامح.. لا الأب المنتقم الذي يقيد طفله ويلقي به في البدروم لأنه كسر زجاجة فارغة!!
إن البطولة في مجال الرياضة لابد أن تكون بطولة أخلاقية بالإضافة لكونها بطولة رياضية.. كنت أطمع أن يرتفع الأهلي فوق الرغبة في الانتقام.. وفوق المعاداة والأنانية البغيضة والمصالح المادية في موقف تاريخي يثبتون فيه أن الأخلاق فوق كل شيء.. لكنهم لم يفعلوا ويبدو أنهم لن يفعلوا.
أما وقد تغافلت إدارة الأهلي عن كل هذا وهي تتعامل بكل هذه العدوانية مع ابن من أبنائها.. فلتسمح لنا إدارة النادي أن نقول لهم.. عفوا فالأخلاق والمبادئ والقيم التي قامت من أجلها الرياضة فوق الأهلي.. وإدارته.. ومصالحه جميعا.