من طرف 
في جوٍّ ساخن، شهدت بداية الدورة البرلمانية الجديدة لمجلس الشعب العديدَ من المفاجآت والأحداث بدأت بمقاطعة نواب الإخوان والمعارضة والمستقلين انتخابات رئاسة المجلس وانتخابات اللجان النوعية للمجلس تمخَّض عنها احتكار الحزب الحاكم جميع مقاعد الـ"19 لجنةً".
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سيؤثر احتكار الحزب الوطني على أداء الدورة الجديدة للمجلس، وخاصةً فيما يتعلق بمشاريع القوانين المهمة التي من المقرر مناقشتها خلال تلك الدورة التي تأتي في ظل أزمة مالية عالمية واستعداد الحكومة المصرية لتمرير مشروع إدارة أصول الدولة الذي وصفه الخبراء بأنه غير واضح وغير مدروس؟، وكذلك ما هي أهم القضايا التي ستتناولها الدورة، ومصير الكتل البرلمانية تحت قبة المجلس، ومدى نجاح الأدوات الرقابية والتشريعية من استجوابات وطلبات إحاطة وأسئلة عاجلة في تحقيق الهدف المطلوب؟.
سخونة مبكرة
في البداية يؤكد الدكتور حمدي حسن عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين أن احتكار الحزب الوطني لمقاعد اللجان النوعية أمر متوقع نتيجة لرغبته في السيطرة على مجريات الأمور بالمجلس ورفضه أي صوت آخر يحاول الإدلاء بدلوه للتغيير.
وأكد أن كتلة الإخوان مع المستلقين يرفضون ممارسة الحزب الحاكم في السيطرة على اللجان وعدم الإتاحة لهم بالتمثيل ولو حتى الشرفي للمعارضة.
وعن رؤيته عن الدورة الجديدة قال د. حسن إنه يتوقع أن تكون شديدة السخونة نظرًا لأجندتهم الكبيرة مقابل رغبة الحزب الحاكم في تمرير بعض القوانين من أجندته، مشيرًا إلى أن أجندة الكتلة تنقسم إلى قسمين أولهما الأجندة التشريعية التي أكد أنها ستتضمن مجموعةً من التشريعات أولها مشروع قانون يهدف إلى احترام حقوق الإنسان في مصر، ومشروع قانون آخر للأحزاب الذي توقع أنه سيُفعِّل الحياة السياسية والحزبية كثيرًا في حالة الموافقة عليه.
وأضاف أنهم سيتقدمون بمشروع قانون لتعديل المادة 325 من قانون المرافعات لتفويت الفرصة على الحكومة من التلاعب، خاصةً في القضايا الإدارية، كما أنهم سيتقدمون بمشروع قانون خاص بالوقف يهدف إلى حلِّ الكثير من المشكلات في مصر وسيعطي دفعةً كبيرةً للعمل الأهلي، فضلاً عن مشروعٍ لتعديل قانون الضرائب الجديد، موضحًا أنه ليس من المعقول أن يتم أخذ ضرائب متماثلة ممن يحصل سنويًّا على 40 ألف جنيه، وممن يحصل على المليارات.
وأشار إلى أن أجندتهم الرقابية تشهد العديد من القضايا المهمة، خاصةً في صور الفساد التي تسببت فيها الحكومة مثل أراضي الدولة التي حصل عليها رجال النظام، مشددًا على أن الدور الرقابي على الاحتكار وانتهاك حقوق الإنسان من أهم أولويات الدورة القادمة.
الأدوات الرقابية
وأضاف المهندس سعد الحسيني عضو الكتلة أنهم وضعوا ضمن ترتيباتهم لهذه الدورة حزمةً من التشريعات والوسائل الرقابية والتشريعية تدور في عدة محاور: أولها مجموعة من الاستجوابات وطلبات الإحاطة التي تتناول الرقابة على الأداء الحكومي فيما يتعلق بأداء وزارة الداخلية وما تمارسه من جرائم تعذيب في السجون والمعتقلات، بالإضافةِ إلى تزوير الانتخابات على كافة مستوياتها من انتخابات مجلسي الشعب والشورى والمحليات والانتخابات العمالية والطلابية.
ويضيف الحسيني أن هناك محورًا آخر يتضمن الاتجاه لتطبيق الشريعة الإسلامية في تحريم الخمور بيعًا وتصنيعًا واستيرادًا، وكذلك ما يتعلق بجريمة الزنا.
وأكد الحسيني أن قضايا الطبقات الفقيرة والكادحة على رأس أولويات واهتمامات الكتلة في الدورة البرلمانية الجديدة؛ حيث سنطالب بإيجاد موارد جديدة لمساندة تلك الطبقات مثل فرض ضرائب تصاعدية على الدحبيبى يا أبو أحمد العالية وزيادة المعاشات ودعم البطاقات التموينية والعديد من الوسائل الأخرى.
وشدد الحسيني على ضرورة مواجهة الممارسات الاحتكارية المتصاعدة وظاهرة الارتفاع غير المبرر في أسعار الحديد والأسمنت، وكذلك ما يحدث للنقابات المهنية في مصر وما تشهده من تعطيل وتقويض.
وأشار الحسيني إلى أن برنامج الكتلة لم يغفل متابعة تدهور الدور الإقليمي لمصر وما حدث له من تهميش وتضاؤل على جميع المستويات في العراق وأفغانستان وفلسطين التي أصبحت مصر تتحرك في قضيتها بأجندة صهيونية بما يضر الأمن القومي المصري.
وأضاف الحسيني أن التنسيق مستمر وعلى مستوى جيد بين كتلة الإخوان ومجموعة المستقلين، وسياستنا هنا هي التعاون قدر المستطاع في القضايا المشتركة، مؤكدًا أن الدورة الجديدة سوف تشهد تحالفًا جديدًا يضم نواب أحزاب المعارضة إلى جانب كتلة الإخوان والمستقلين.
ديمقراطية الأجراس
وعن الظواهر السلبية تحت قبة البرلمان قال الحسيني: إن أبرزها هي ظاهرة غياب النواب أو ما يمكن تسميته بـ"ديمقراطية الأجراس"؛ حيث يحضر نواب الوطني خارج القاعة ثم يدق الجرس فيدخلون للتصويت فقط ثم ينصرفون بعد ذلك!!.
وتمنى الحسيني أن يُعبِّر مجلس الشعب بصورةٍ حقيقيةٍ عن واقع الشعب المصري؛ لأن التركيبة الحالية مزورة ومزيفة أتت بغير إرادة الشعب ومعظمها ترشحت مستقلين ثم سارعت إلى الانضمام للحزب الوطني بعد نجاحه كأن الوطني أصبح وصمة عار!!.
الأمل!!
من جانبه أشار النائب المستقل سعد عبود إلى أن مجموعة الـ100 قاطعت انتخابات الرئيس ونائبه واللجان النوعية ترشحًا وتصويتًا على اعتبار أنه لنا الحق في 25% من اللجان الفرعية وفقًا للتمثيل النسبي في الأعراف البرلمانية المعمول بها في العالم كله.
وعن أهم الملفات والقضايا التي سيفجرها قال عبود إن الملفات الملحة أصبحت كثيرة ومتعددة كالفساد والغلاء والتلوث وصفقات الغاز المريبة، مضيفًا أنه قدَّم استجوابين أولهما عن القمح الفاسد الذي تم استيراده مخالفًا للمواصفات الصحية، وهو الملف الذي يفتح ملفًا أكبر والمتعلق بمافيا تجار القمح وثانيهما عن الأسمنت.
وأكد عبود أن مجموعة الإخوان والمستقلين في المجلس لن تفقد الأمل في العمل البرلماني لمواجهة توحش التزاوج القائم بين المال والسلطة تحت قبة البرلمان والأغلبية التي تبعد الآخرين عن المشاركة السياسية الفعالة.
وأوضح عبود أن الأسوأ ينتظر مصر وفقًا لمعطيات الواقع الحالي الذي لا يوجد ما يعول عليه وسط نظام فاشل وطاغٍ يحسم النتائج كلها وفقًا لهواه ويمنع ترجمة الأقوال التي يتشدق بها إلى أفعال، وبالرغم من ذلك فإننا لن نفقد الأمل وسنظل مسلحين بسلاح الشرعية التي لا يملكها الكثيرون اليوم تلك الشرعية التي حصلنا عليها من الشارع الذي ينتظر منا الكثير.
محاربة الفساد
أما الدكتور جمال زهران (مستقل) فقال إنه سوف يتقدم بملفٍ كبيرٍ يتضمن 4 أقسام أساسية، يحتوي القسم الأول منها على مجموعةٍ من الاستجوابات تبلغ 11 استجوابًا تتعلق بقضايا وموضوعات لم تناقش من قبل فيما يخص الفساد المستشري في البنوك وعمليات بيع وتخصيص الأراضي والخصخصة واحترام الدستور في التعامل مع النواب.
وأضاف د. زهران أنه سيتقدم بسبعة مشروعات قوانين يكون في مقدمتها قانون اتهام ومحاكمة القيادات التنفيذية العليا بدءًا من وكيل الوزارة ونائب الوزير وصولاً إلى رئيس الجمهورية؛ لأننا في مصر نفتقر إلى وجود قانون متكامل لهذه المحاكمات.
وفي إشارةٍ إلى اهتمامه بالتعليم أكد د. زهران أنه سيتقدم ببيان عاجل إلى وزير التربية والتعليم عن المخالفات التي تمت في تحرير عقود المعلمين بالقليوبية وما حملته من شبهات سياسية وحزبية، فقد كان من المفروض أن تعطى الفرصة للعاملين الفعليين في تثبيتهم قبل تحرير عقود جديدة واقترح العودة إلى نظام التكليف في كليات التربية وعمل خطة لتقليل أعداد المقبولين في كليات التربية طبقًا لاحتياجات الوزارة.
تنسيق قائم
وأكد د. زهران أن التنسيق والترتيب داخل المجلس قائم بالفعل في مجموعة الـ100 التي تضم كتلة الإخوان المسلمين والمستقلين على أجندة موحدة ومشتركة للعمل البرلماني، كما أن هناك تحضيرًا لتحالف أوسع يضم أحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان.
وتمنى د. زهران في الدورة الجديدة ألا تتكرر التجاوزات التي تحدث من جانب بعض أعضاء الحزب الوطني التي تصل إلى حدِّ السبِّ والاستهزاء، هادفين بذلك وضع النائب المعارض تحت ضغط عصبي معين يؤدي به إلى الخطأ فيطيحوا به وهذا ما يريدونه!!
وشدد د. زهران على ضرورة إعادة توزيع المواقع القيادية داخل المجلس على أن تشمل جميع الأعضاء بما فيها المعارضة أسوةً بما يحدث في كل دول العالم الأقل من مصر مثل اليمن والبحرين والمغرب والأردن، بهدف إحداث توافق وألا تكون هذه المواقع حكرًا على الحزب الوطني الحاكم.
وأكد د. زهران أن هذا الموضوع قد تم عرضه على رئيس المجلس الذي قال إن القرار ليس بيده وإنما بيد الحزب الوطني!!
وعود مأمولة
من ناحية أخرى قال محمد عبد العزيز شعبان (نائب التجمع): "على الرغم من أنني نائب وحيد إلا أنني سأسعى بكل الطرق لتقديم عددٍ من طلبات الإحاطة والأسئلة والاستجوابات للتعبير عن مصالح الشعب والأمة"، مشيرًا إلى أنه سيستمر في معاركه التي خاضها من قبل ومن بينها المشاركة مع مجموعة من نشطاء المجتمع المدني في التعبير عن حقوقهم ودحبيبى يا أبو أحمد وفود منهم إلى المجلس مثل مجموعة الدفاع عن أموال التأمينات والدفاع عن التأمين الصحي وحق المواطنين في العلاج ونضال المعلمين في موضوع الكادر وموظفي الضرائب العقارية.
وأكد شعبان عن عزمه تقديم طلب إحاطة خلال الدورة البرلمانية الحالية إلى وزير المالية بشأن عدم تطبيق حكم المحكمة الدستورية بصرف الأثر الرجعي للاستحقاقات المالية لأصحاب المعاشات.
ووعد بمواجهة قانون التأمين الصحي الجديد في حالة عرضه على المجلس مرةً أخرى قائلاً: "سوف نعارض قانون التأمين الصحي الجديد ورغبة الحكومة في تحويل التأمين الصحي إلى شركة قابضة واستغلالها في عمل تجاري وتحميل المواطن المزيد من الأعباء وتقليل حزمة الخدمات الصحية".
واختتم كلامه بانتقادٍ صريحٍ للتصريحات التي صدرت على لسان قيادات الحزب الوطني التي أساءوا فيها إلى المعارضة والتقليل من دورها، وقال إن قاعدة التمرير التي يتبعها النظام المصري ونوابه في البرلمان هي من تقلل من قوة المعارضة، متسائلاً: هل تعطي الحكومة فرصة للمعارضة للقيام بدورها في الشارع أو البرلمان.
لا جديد
وتحت شعار "لا تغيير ولا جديد" قال النائب المندوه الحسيني (حزب وطني) إنه لا جديدَ في خطة الحزب الوطني للدورة البرلمانية الجديدة سوى القانون الجديد ببيع الأصول، مشيرًا إلى الاستقرار على استمرار الدكتور عبد الأحد جمال الدين زعيمًا للأغلبية، وبقاء جميع رؤساء ووكلاء اللجان داخل المجلس كما هي.
وأشار إلى أنهم سيتفرغون في الأشهر الأولى من الدورة الجديدة في عرض قانون إدارة أصول الدولة الذي عرضه جمال مبارك وتبناه الدكتور محمود محيي الدين وزير الاقتصاد، مشيرًا إلى أن الحكومة تسعى الآن إلى نظام الخصخصة لمواجهة الآثار السلبية للأزمة المالية العالمية على الاقتصاد المصري، موضحًا أنها أعلنت زيادة المخصصات المالية بالموازنة العامة للدولة.
أضاف أنهم سيسعون لدراسة الموضوعات التي دعا إليها الرئيس مبارك في المؤتمر السنوي الأخير للحزب مثل النهوض بأوضاع المناطق العشوائية وتطويرها وتوسيع قاعدة العدالة الاجتماعية والبحث عن أسلوب جديد فعال لإشراك قطاع عريض من الشعب في إدارة الأصول المملوكة للدولة وتفعيل المشاركة في الحياة السياسية وزيادة تمثيل المرأة في البرلمان من خلال بلورة أسلوب أفضل لتعزيز مشاركتها وتبني إطار تشريعي منظم للأحوال الشخصية.
ولم يأت النائب بجديد عما إذا كان يخطط لمشروعات قوانين جديدة أخرى، مكتفيًا بالتعليق أن السياسة العامة للحزب هي ما ستثمر عما نفعله في الدورة الجديدة.
صورة فقط
واكتفى الدكتور عمرو هاشم ربيع الخبير بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية بالتعليق بأن الدورة البرلمانية الجديدة لن تأتي بجديد وستكون مثل الدورات البرلمانية الفائتة ما دام يسيطر الحزب الوطني على الأغلبية وما دامت لا توجد آلية واضحة أو سياسة مصاغة لتداول السلطة في مصر.
وأكد أن مجلس الشعب سيبقى صورة فقط، دون الوصول لجديد، وسيبقى غير مجدٍ وسيبقى نواب المعارضة والإخوان والأحزاب يقدمون في طلبات الإحاطة والاستجوابات والأسئلة العاجلة وسيبقى الحزب الوطني ونوابه الأغلبية يرفضون مناقشتها.
