من القنابل إلى.. "زهرة المدائن"!
هل عرفت خبر رحيل الموسيقار اللبناني "منصور الرحباني"؟
تقول في سرك -أو في علانيتك- موسيقى إيه يا عم دي وإحنا بنشوف اللي بيحصل في غزة، من قتل للناس الآمنة في بيوتها على يد إسرائيليين ورثوا الوحشية من الوحوش؟
منصور الرحباني
انتظر شوية بس.. خد الكلام لآخره... كله متصل بكله..
وخلينا نسأل السؤال كمان مرة:
هل عرفت خبر رحيل الموسيقار اللبناني -أضف عليه "الكبير"- "منصور الرحباني"؟
لو كانت إجابتك هي: ومين أصلا "منصور الرحباني"؟!
هنسألك..
بتحب تسمع "فيروز"؟
طب تعرف أغنياتها الشهيرة: "سألوني الناس"، و"حبيتك بالصيف"، و"بحبك يا لبنان"؟
أهو "منصور الرحباني" -الموسيقار اللبناني الكبير- هو من لحن لها هذه الأغنيات التي يرددها تقريبا معظم العرب من المحيط للخليج..
و"منصور الرحباني" هو من شكَّل مع أخيه "عاصي الرحباني" أشهر ثنائي موسيقي عرفه الفن العربي في النصف الأخير من القرن العشرين.. "الأخوان رحباني".
هو ذلك الثنائي الذي قدَّم مجموعة ضخمة من الأعمال الموسيقية والمسرحية التي عاشت وستعيش لسنين وسنين، وكوَّنا مع المطربة الكبيرة "فيروز" ثلاثيا فريدا قادرا على تقديم فن حقيقي أصلي يكسح في طريقه كل ما هو مزيف..
فيروز
برضه ما علاقة "الرحباني" و"فيروز" بغزة؟
ده سؤال منطقي جدا..
وإجابته هتكون بسؤالك سؤال تاني:
وهل سمعت وعشقت وعشت أغنيات "يا زهرة المدائن" و"القدس العتيقة" و"سنرجع يوما" و"جسر العودة"؟
ربما لا تكون قد سمعت الأغنيات الأربع لكنك بكل تأكيد تعرف تماما "يا زهرة المدائن" ولو لم تكن تعرفها نرجوك ابحث عنها في الإنترنت واستمتع بها.. وعلى إيه.. أهي شغالة دلوقتي وإنت بتقرأ الصفحة دي..
سامع قوة الكلام وعمق اللحن
أهو ده لحن "منصور الرحباني"..
عرفت بقى العلاقة بينه وبين غزة؟
في كل حروب الدنيا لا يوجد شعب بأكمله يكون على جبهة القتال العسكرية.
في الحرب هناك أكثر من جبهة للقتال ليست جميعها تعتمد على المدافع الرشاشة والدبابات والصواريخ والطائرات.
دائما تكون هناك جبهات أخرى..
خذ عندك الواقعة الشهيرة للسيدة "أم كلثوم"
أم كلثوم
عندما قررت الاحتجاب والانعزال في بيتها بعد النكسة وقرار الرئيس "عبد الناصر" التنحي عن منصبه؛ لأنها لم تتحمل كل هذه المصائب.
بعدها بقليل وحينما عاد الرئيس "عبد الناصر" ثانية إلى منصبه، تحدث معها في ضرورة العودة من جديد؛ لأنها نجحت بأغنياتها فيما فشل فيه "عبد الناصر" شخصيا وهو "توحيد العرب" مثلما كان يحدث في حفلة الخميس الأول من كل شهر عندما تعتلي المسرح لتغني..
اقتنعت "أم كلثوم" بمنطق "عبد الناصر" وعادت ثانية لتغني وتشدو وتدخل باهتمام وتركيز مرحلة الأغنيات الوطنية، ثم نظمت حفلات "المجهود الحربي" التي جمعت من خلالها الكثير من الأموال لإعادة بناء الجيش من جديد..
هذه هي القاعدة دوما..
هناك من يحارب بالخطط والتنظيم والقيادة.. وهناك من يحارب بالتفكير والسياسة.. وهناك من يحارب بالأغنية الوطنية الحماسية المتدفقة بالمشاعر الصادقة..
عبد الناصر
في حروب مصر مع إسرائيل في النكسة وفي حرب أكتوبر كانت كلمات زي" عدى النهار والمغربية جاية تتخفى ورا ضهر الشجر وعشان نتوه في السكة شالت من ليالينا القمر..وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها جانا نهار ماقدرش يدفع مهرها".. وزي.."وأنا على الربابة بغني ما أملكش غير أني أغني واقول تعيشي يامصر..وأنا على الربابة بغني غنوة أمل للجنود أمل في النصر.. يامصر".. وزي "فدائي.. فدائي فدائي فدائي.. أهدي العروبة دمائي" و"رايحين شايلين في إيدنا سلاح.. راجعيين رافعين رايات النصر " تلهب المشاعر بكتير أكتر من الخطب الحماسية...
حتى في حروب مصر مع إسرائيل وبعد النكسة -ربنا ما يرجعها- كان أول ما غنى "عبد الحليم حافظ" (عدى النهار)..
الأغنية التي ترثي للناس ما حدث وتدفعهم دفعا إلى إعادة البناء من جديد..
ربما يكون هناك بعض ممن معنا الآن لم يسمع هذه الأغنيات أو ينفعل بها، مثلما كان يحدث مع أجيال سابقة جاءت لها مثل هذه الأغنيات الوطنية الحماسية وكأنها السند الذي لا يحمي الظهر فحسب وإنما تدفع -في جزء منها- إلى الانفعال والحركة للأمام..
عبد الحليم حافظ
تسمع إنت بكل تأكيد عن "وطني الأكبر" وجايز تكون شفتها في التليفزيون -رغم أنها لم تعد تذاع كثيرا- وإنت في المدرسة أكيد عدت عليك "الحلم العربي" ومن بعدها "القدس هترجع لنا".. وأخيرا الضمير العربي..
وهكذا خيط طويل ومستمر من الأغنيات الوطنية التي يتوازى معظمها مع أحداث وطنية مهمة كمقاومة الاحتلال أو السعي نحو الوحدة بين الدول العربية.. فيها الصادق اللي عاش وفيها اللي مزيف فراح وانتهى..
ليكون السؤال -في حضرة "يا زهرة المدائن":
هل "تستطعم" الأغنيات الوطنية الجديدة التي يغنيها بعض من المطربين الجدد؟
وما السبب في ذلك "الاستطعام" من عدمه؟
بمعنى آخر:
هل لا تزال تلك القشعريرة تنتابك وأنت تسمع "يا زهرة المدائن" أم أن "مين يسمع الغناء في عز القنابل"؟
هل تعتقد بأن الأغنيات الوطنية لا يزال لها دور حماسي في تعبئة المشاعر ضد العدو؟
وهل تراها وسيلة إيجابية للتحفيز والاستعداد النفسي للمقاومة؟
وبعد هذا وذاك
هل الانفعال بالأغنيات الوطنية له علاقة بشعور الإنسان بالانتماء لقضيته؟
وهل ستكتب رأيك حالا أم بعد قليل؟